متى نشمت العاطس ومتى لا نشمته ؟ ولماذا أمرنا ﷺ النبي بذلك ؟

 

من الحكمة فيما شرعه الإسلام من أدب العطاس من حمد، وتشميت ودعاء، فيحسن بي قبل بيانها أن ألقي بعض الضوء على حقيقة ما شرعه الإسلام في ذلك وحكمه، فإن الحكم يسبق الحكمة :

أول ما يشرع للعاطس أن يحمد الله تعالى . فيقول: ” الحمد لله ” أو ” الحمد لله على كل حال ” أو ” الحمد لله رب العالمين ” كما جاءت بذلك الأحاديث، وهو ما اتفق على استحبابه، كما قال النووي.

ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته لئلا يزعج أعضاءه ولا يزعج جلساءه، وأن يرفعه بالحمد، ليسمع من حوله، وأن يغطي وجهه، لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه . فعن أبي هريرة: قال: ” كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا عطس وضع يده على فيه، وخفض صوته “. (أخرجه أبو داود والترمذي بسند جيد كما في الفتح، وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند الطبراني).

ثم يجب على من سمعه يحمد الله تعالى أن يشمته، أي يدعو له بقوله: يرحمك الله . كما في حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى: ” إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل من عنده: يرحمك الله: وهذا من حق المسلم على المسلم.

والظاهر أنه فرض عين، كما أكدت ذلك عدة أحاديث، بعضها جاءت بلفظ الوجوب الصريح ” خمس تجب للمسلم ” وبعضها بلفظ الحق الدال عليه: ” حق المسلم على المسلم ست ” وبلفظ ” على ” الظاهرة فيه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، بقول الصحابي: أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

ولا ريب أن الفقهاء – كما قال ابن القيم – أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء وبه قال جمهور أهل الظاهر، وجماعة من العلماء.

وذهب جماعة إلى أن التشميت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه ابن رشد وابن العربي من المالكية، وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة.

وذهب جماعة من المالكية إلى أنه مستحب، ويجزئ الواحد عن الجماعة. وهو قول الشافعية.

والراجح من حيث الدليل القول الأول، كما قال الحافظ ابن حجر . قال: والأحاديث الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين، ففرض الكافية يخاطب به الجميع على الأصح، ويسقط بفعل البعض (انظر فتح الباري في شرح البخاري ج 13 ص 222، س 237 ط الحلبي).

ويستثننى من عموم الأمر بتشميت العاطس عدة أصناف مثل :
من لم يحمد الله بعد عطاسه . فشرط التشميت الحمد . وقد روى البخاري عن أنس قال: عطس رجلان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر . فقيل له: فقال: ” هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله ” وهذا أمر مجمع عليه.

المزكوم إذا تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث . وذلك أن المزكوم قد يتكرر منه العطاس مرات كثيرة، فيشق على جليسه أن يشمته في كل مرة، وإذا لم يدع له بالدعاء المشروع للعاطس فلا بأس أن يدعو له بدعاء يلائمه، مثل الدعاء بالعافية والشفاء وما هو من هذا القبيل.

الكافر . فعن أبي موسى الأشعري قال: كانت اليهود يتعاطسون عند النبي – صلى الله عليه وسلم – رجاء أن يقول: يرحمكم الله فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم . (أخرجه أبو داود وصححه الحاكم كما قال الحافظ). وهذا يعني أن لهم تشميتًا مخصوصًا، وليسوا مستثنين من مطلق التشميت.

ويجب على العاطس أن يرد على من شمته فدعا له بالرحمة، أن يدعو له بالهداية وصلاح البال كما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري وعند غيره ” إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله . فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم. أو يدعو له ولنفسه بالمغفرة كم في حديث ابن مسعود: ” يغفر الله لنا ولكم “. (أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني). وأجاز بعض العلماء الجمع بين الصيغتين . وقد أخرج في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله . قال: “يرحمنا الله وإياكم، ويغفر الله لنا ولكم “.

حكمة الحمد والتشميت عند العطاس والتشميت هو أن يقال للعاطس: يرحمك الله، وهو دعاء له بالرحمة؛ وذلك لأنه كان من أهل الرحمة حيث عظم ربه بالحمد على نعمته وعرف قدرها، وأصل التشميت: إزالة شماتة الأعداء بالدعاء له، أي: أبعدك الله عن الشماتة، وجنبك ما يشمت به عليك. أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوؤه، فشمت هو بالشيطان. وقيل: اشتقاقه من الشوامت، وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله عز وجل.

اذا اتممت القراءة شارك بذكر سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *